ذكرنا في المقال السابق أن العلاقة بين الغذاء والحالة المزاجية قوية وتبادلية، وقد أوضحنا فيه أهم العناصر الغذائية التي تلعب دورًا في تحسين الحالة النفسية، ومثلما يؤثر تناول بعض الأغذية على المزاج إيجابًا أو سلبًا، تؤثر كذلك الحالة المزاجية للمرء بشكل كبير على اختياراته الغذائية وعاداته اليومية.
وإذا لم يكن الإنسان واعيًا بهذه العلاقة ومدركًا لما يقوم به يمكن أن يشكل ذلك خطرًا على صحته، فما يحدث أحيانًا هو أن الاكتئاب أو الشعور بالحزن أو هبوط المزاج قد يدفع المرء لتناول أغذية فقيرة بالمغذيات مثل الآيس كريم والحلويات التي تعطيه شعورًا عابرًا سريعًا بالتحسّن، ولكنه مؤقت إذ يستمر لفترةٍ قصيرةٍ فقط ثم لا يلبث أن يزول، فيعود إلى إحساسه السابق بالاكتئاب والذي قد يصبح أقوى من السابق مما يدفعه مجددًا لتناول المزيد، فيدخل بذلك في حلقة مفرغة يصعب كسرها.
وقد أظهرت إحدى الدراسات أن الناس عندما يشعرون بالحزن يميلون لتناول طعامٍ غير صحي مثل الحلويات أي أن خياراتهم الغذائية تكون سيئةً مقارنةً بالأشخاص الذين يشعرون بالبهجة والفرح. فلماذا يا ترى نلجأ للحلويات في أوقات الشدة والتوتر وهبوط المزاج؟
في الواقع هناك عدة أسباب، السبب الأول هو أن الحلويات ذات مذاقٍ رائعٍ ومحببٍ للنفس أكثر من أي صنفٍ غذائي آخر، والسبب الثاني هو أنها تؤدي إلى الشعور بالمتعة بسبب إفراز بروتينات المزاج الجيد من مركز المكافآت في الدماغ مما يخفف الشعور بالحزن والألم النفسي الناتج عنه. أما السبب الثالث فهو انخفاض الطاقة الذي يترافق مع هبوط المزاج مما يحرض الرغبة بتناول السكريات كمصدرٍ سريعٍ للطاقة في الجسم. علمًا بأن الرغبة الملحة لا تقتصر على تناول الحلويات فقط بل تكون أحيانًا على شكل زيادةٍ في تناول الأطعمة عالية المحتوى من الدهون، فالدهون لها تأثيراتٌ مشابهةٌ للسكريات على مراكز الإحساس بالسعادة والألم في الدماغ.
أظهرت الدراسات أن الناس يصبحون أكثر تعبًا واكتئابًا بعد ساعة من تناول قطعة من الحلويات وذلك بعكس التأثير الذي يتوقعونه عندما يتناولونها لتمدهم بالطاقة وتحسن مزاجهم، الأمر الذي يعتبره البعض مفاجئًا. ورغم ذلك فهم يستمرون بتناولها، فالحنين المرتبط بتناول الحلويات والذي يعطي تشبّعًا لحظيًا هو ما يبحث عنه الناس. من الجيد أن تعلم أنك ستشعر بالسوء بعد نصف ساعة أو على أقصى تقدير ساعة، والتأثير الفوري هو الذي يتحكم بسلوكك.
تظهر بعض الدراسات أن الأشخاص الذين استبعدوا السكر المكرر من نظامهم الغذائي قد تحسن مزاجهم بنسبةٍ كبيرةٍ. ولكن من المهم معرفة أن هذا التأثير لا يظهر بين ليلة وضحاها، وأن الامتناع المفاجئ عن السكر المكرر غالبًا ما يكون صعبًا ويحتاج إلى فترة ترافقها بعض الأعراض إلّا إذا قمنا باتخاذ إجراءات معينة مثل اتباع برنامج ديتوكس من نوع خاص سنأتي على ذكره في مكانه عدا ذلك فإن الأسبوع الأول سيترافق مع صداعٍ وتعبٍ ينجم عن سحب الإدمان، ومع القليل من الصبر يظهر التحسن بعد فترةٍ تتراوح من أسبوع لأسبوعين.
كيف نستطيع التخلص من التأثير السلبي لمزاجنا على عاداتنا الغذائية؟
إليكم مجموعة من الخطوات البسيطة التي يفيد اتباعها عندما تشعرون بهبوط في المزاج وذلك حتى لا تقعوا في شباك الرغبة الملحة بتناول الحلويات وكل ما يتحول في الجسم إلى سكر من أرز أو معجنات أو بطاطا وغيرها:
احرص على تناول وجباتك الغذائية الصحية حتى عندما يكون مزاجك منخفضًا، فالامتناع عن تناولها سيفاقم شعور الكآبة مما يدخلك في حلقةً مفرغةً، فالطعام غير الصحي يزيد الكآبة والكآبة تدفعك بعيدًا عن الخيارات المغذية.
أشبع رغبتك من السكريات الطبيعية من خلال تناول الكميات المنصوح بها يوميًا من الخضار والفواكه والحبوب الكاملة، فهي تعطي شعورًا بالسعادة قد يتأخر ظهوره قليلًا، لكنه يستمر لفترةٍ أطول مقارنةً بذلك الذي تعطيه السكريات الصناعية مثل الآيس كريم أو الحلويات أو المشروبات الغازية. كما سيساعدك ذلك على تجنب الوقوع في فخ الرغبة الشديدة لتناول الحلويات بإفراط التي تتبع تناول السكريات المكررة.
حاول في أوقات هبوط المزاج والشره للسكريات أن تقوم بنشاطٍ رياضي، فالرياضة تلعب دورًا هامًا في تحسين الحالة المزاجية بسبب تأثيرها المحفّز لإفراز هرمونات السعادة في الدماغ، لذلك يعتبر إدمان الرياضة إدمانًا صحيًا.
يساعد النوم الجسم على ترميم نفسه واستعادة نشاطه مما يحسن المزاج، لذا جرب أن تذهب للنوم عندما تشعر بهبوط في المزاج، كما سيجنبك ذلك الوقوع في براثن الجوع الكاذب الذي يدفع إلى اختيار الأطعمة غير الصحية.
تأكد من حصولك على الكميات المنصوح بها من الماء والسوائل عمومًا، فالتجفاف يزيد أيضًا من طلب الجسم للسكر.
لا تغادر منزلك يوميًا قبل تناول وجبة الإفطار، فذلك يساعد على تحسين المزاج خلال اليوم ويمدّك بالطاقة والنشاط والحيوية.
الآن وبعد أن شرحنا العلاقة المتبادلة بين الغذاء والمزاج لا بد من إيجاد توازن صحي بينهما ينبع من وعينا بمشاعرنا ورغباتنا بتناول الطعام وإدراك تأثير كل منهما على الآخر. في أي مرة تشعر بها بهبوط في المزاج وبرغبة بتناول الحلويات تذكر النتائج طويلة الأمد وليس فقط التأثيرات الفورية.
المصادر: